فصل: تفسير الآية رقم (138):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا} ونحن نراه في الحقول ونسميه الريم الذي يطفو على سطح الماء، ما الذي يحدث لهذا الريم؟ أنه يتجمع ويطفو ثم يركن ويميل جانبًا. ألم تر القدْر بها لحم تفور؟. إننا نجد الريم قد طفا على السطح. وهذا الريم فيه أشياء خارجة عن عنصر الشيء الموجود في القدر، فإذا ما جاءت حرارة النار أخرجته على السطح، فإما أن يخرجه الإنسان خارج القدر، وإما أن يتركه فيتجمد على الجوانب وينتهي.
ومن أين جاء هذا الزبد؟ أنه يأتي من الأرض، والأرض فيها أشياء كثيرة، كجذور النبات وبقايا ما حمله الهواء وتتخلل هذه الأشياء مسام الأرض، هذه الأشياء عندما توجد في المسام، وتأتي الجذور الصغيرة لتنمو فتعوقها عن أخذ غذائها؛ لذلك فعندما ينزل الحق الماء من السماء فإن الماء يجعل هذه الأشياء تطفو على السطح؛ ليجعل هناك منفذًا للجذور الصغيرة.
وينزل الله المطر ليغسل التربة كلها، ويجعل هذه الأشياء تطفو؛ لأنها غثاء، ويطفو الغثاء. وساعة أن يطفو الغثاء فإياك أن تفهم أن ذلك علو، أنه علو إلى انتهاء، كذلك فورة الباطل.
إياك أنن تظن أن الزَبَد له فائدة، أو أنَّ ارتفاع الريم كان علوًا على ما في القدر، لا. أنه تطهيرٌ لما في القدر أو الإناء، ولهذا قال الحق: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا}.
وإن لم تذهب آثار الريم بحركة الماء التموجية فإنها ستذهب بطريقة أو بأخرى. ولننظر إلى الأشياء القذرة التي تلقي في البحر نجد أنها بعد مدة قد خرجت إلى الشاطئ.
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هو} [المدثر: 31].
إنها تخرج على الشاطيء ويجمعها المكلفون بتنظيف الشاطئ. وإلا كيف تتم صيانة الماء؟ أنه سبحانه يجعل الماء ينظف نفسه بحركته الذاتية. إذن فالماء عندما ينزل سيلًا، فإنه ينقي التربة من العوائق التي تعوق غذاء الجذيرات الصغيرة، وقد لا يكتفي بعضنا بهذا المثل، فيضرب لنا الله مثلًا آخر: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذالِكَ يَضْرِبُ الله الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17].
ونحن نرى هذه الحكاية عندما يضعون أي معدن في النار، فإن المعدن ينصهر ويصير كالعجينة وتخرج منه فقاقيع ونحن نسميها خبث المعدن وعندما نخرج الخبث من المعدن فانه يصير قويًا إذن فالنار قد صهرت المعدن، وأخرجت منه الخبث الضار فيه، أو الذي يجعله لا يؤدي مهمته بكفاءة عالية، فأنا قد أصنع من الحديد درعًا قوية أو أريد أن أستخرج منه الصلب، وهذه العمليات معناها أننا نصْهر الحديد بالنار لنزيل خبثه ليزداد قوة. وكذلك الذهب والفضة ساعة نريد أن نخلصهما من هذه الآثار فإننا نصهرهما لنخرج منهما الأشياء الخارجة عنهما أي التي تختلط بهما وتشوبهما وهي ليست منهما.
لماذا إذن يا ربيّ هذا التمثيل الحسي في المياه؟ والحلية التي لا تؤدي ضرورة، والمتاع وهو الذي يؤدي ضرورة؟ أنه سبحانه يقول: {كَذالِكَ يَضْرِبُ الله الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}.
إن الحق كالماء، والحق كالنار، والماء يحمل الزبد الرابي بعيدًا عن مسام الأرض، والنار تخرج الزبد والخَبث من المعادن، وتجعل المعادن خالصة للمنفعة المطلوبة لنا، كذلك يضرب الله الحق والباطل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}.
وجفاءً أي مطروحًا مرميًا، {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}. ذلك هو صراع الحق والباطل في المبادئ والقيم ويصوره الله في الأمور المادية. ومن العجيب أنه يصوره بمتناقضين ولكنهما متناقضان ويؤديان مهمة واحدة، ماء ونار، فإياك حين ترى شيئًا يناقض شيئًا أن تقول: هذا يناقض ذاك، لا. لأن هذا الشيء مطلوب لمهمة، وذاك الشيء مطلوب لمهمة أخرى.
إذن فقول الحق سبحانه: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} هو لفت لنا إلى صراع الحق مع الباطل، وأن الإنسان قد يرى الباطل مرة وله فورة وعلو، ونقول: هذا إلى جُفاء. وهذه سنة من سنن الحياة. وإن أردتم أن تتأكدوا منهما، فالتفتوا إلى دقة قول الحق تعالى: {فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
وهنا ملحظ عام، وملحظ خاص، الملحظ العام: أننا نفهم أن المقصود بذلك السير على الأرض، وتلك هي حدود رؤيتنا، لكن حين يتكلم الله فرؤية الله أشمل فهو الخالق لهذا الكون، ونحن ما زلنا نجهل جزيئات في هذا الكون، ولم نعرف بعضها إلا أخيرًا، وخالق الكون هو الذي يعلم كل الخبايا.
نحن نقول: إننا نسير على الأرض؛ لأننا كنا نفهم أن هذه الأرض ليس عليها إلاّ نحن فقط، ثم تبين لنا- بعد أن أخذ العلم حظه- أنه لولا وجود الهواء في الأرض لما صلحت للحياة. ولذلك فعندما تدور الأرض. فالهواء الذي حولها يدور معها ويسمونه الغلاف الجوي إذن فالغلاف الجوي جزء من الأرض وله امتداد كبير، فالإنسان عندما يسير فإنه يسير في الأرض، أما الذي يسير على الأرض فهو الذي يسير فوق الغلاف الجوي، أما السائر على اليابسة، والغلاف الجوي ما زال فوقه فهو يسير في الأرض لا على الأرض.
وما دامت المسألة هي سنن تقدمت، ويريد الله منا أن نعتبر بالسنن المتقدمة، لذلك يقول لنا: {فَسِيرُواْ فِي الأَرْض} نسير بماذا؟. إما أن نسير بالانتقال، أو نسير بالأفكار؛ لأن الإنسان قد لا يملك القدرة على السير ويترك هذه المهمة للرحالة، والرحالة- مثلًا- هم الذين ذهبوا إلى جنوب الجزيرة، ورأوا وادي الأحقاف ووجدوا أن عاصفة رمل واحدة تطمر قافلة بتمامها.
إذن ففيه عواصف وارت الكثير من الأشياء، فعاصفة واحدة تطمر قافلة. فكم من العواصف قد هبت على مرّ هذه القرون؟ والحق سبحانه يخبرنا بإرم ذات العماد فيقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 6- 13].
إنه سبحانه يخبرنا أن إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد أي متفوقة على حضارة مصر القديمة. وهي عجيبة وفيها أكثر من عجيبة فأين هي الآن؟.
وما دامت الرمال بعاصفة واحدة- كما قلنا- تطمر قافلة، فكم عاصفة مرت على هذه البلاد؟. ولذلك نجد أننا لا نزال جميعًا إلى الآن حين نريد أن ننقب عن الآثار فلابد أن نحفر تحت الأرض. لماذا هذا الحفر وقد كانت هذه الآثار فوق الأرض؟ لقد غطتها العواصف الرملية.
والمثال على ذلك: أنك تغيب عن بيتك شهرًا واحدًا وتعود لتجد من التراب الناعم ما يغطي أرض البيت على الرغم من إغلاق النوافذ. فماذا تجد من حجم التراب لو غبت عن بيتك عامًا، أو عامين، أو ثلاثة أعوام، رغم إحكام وإغلاق النوافذ والفتحات بالمطاط وخلافه؟ ولكن التراب الناعم يتسرب ويغطي الأثاث والأرض. وإذا كانت هذه الأمور تحدث في منازلنا فما بالك بالمنطقة التي فيها أعاصير وعواصف رملية؟ هل تطمر المدن أو لا؟
إن المدن والحضارات تطمر تحت الرمال؛ لذلك فعندما ننقب عن الآثار فنحن نحفر في الأرض، وهذا لون من السير في الأرض للرؤية والعظة. وحين يقول الحق: {فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فماذا يعني بعاقبة المكذبين؟ حين تكون أمة قد تحضرت حضارة كبيرة يقول عنها الحق: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر: 6- 12].
إن الذي أقام هذه الحضارات ألا يستطيع أن يجعل لهذه الحضارة ما يصونها؟ كيف يتم القضاء على هذه الحضارات الواسعة واندثارها وذهابها؟.
لابد أن ذلك يتم بقوة أعلى منها، فهذه الحضارات رغم تقدمها الرهيب لم تستطع أن تحفظ نفسها من الفناء. إنها القوة الأعلى منها، وهكذا نصدق قوله الحق: {فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}. أنه القّيوم الذي يرى كل الخلق، فمن يطغى ويفسد فليلق النهاية نفسها. إذن فقوله سبحانه يحمل كل الصدق: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {قد خلت} يعني مضت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {قد خلت من قبلكم سنن} يعني تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} قال: عاقبة الأولين والأمم قبلكم، كان سوء عاقبتهم متعهم الله قليلًا ثم صاروا إلى النار. اهـ.

.تفسير الآية رقم (138):

قوله تعالى: {هذا بَيَانٌ لّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لّلْمُتَّقِينَ (138)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تكفلت هذه الجمل بالهداية إلى سعادة الدارين نبه على ذلك سبحانه وتعالى بقوله على طريق الاستفتاح: {هذا بيان} أي يفيد إزالة الشبه {للناس} أي المصدقين والمكذبين {وهدى} أي إرشاد بالفعل {وموعظة} أي ترقيق {للمتقين}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {هذا بَيَانٌ لّلنَّاسِ}.
ويعني بقوله: {هذا} ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده وذكره لأنواع البينات والآيات، ولابد من الفرق بين البيان وبين الهدى وبين الموعظة، لأن العطف يقتضي المغايرة فنقول فيه وجهان:
الأول: أن البيان هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت الشبهة حاصلة، فالفرق أن البيان عام في أي معنى كان، وأما الهدى فهو بيان لطريق الرشد ليسلك دون طريق الغي.
وأما الموعظة فهي الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي في طريق الدين، فالحاصل أن البيان جنس تحته نوعان: أحدهما: الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين وهو الهدى.
الثاني: الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين وهو الموعظة.
الوجه الثاني: أن البيان هو الدلالة، وأما الهدى فهو الدلالة بشرط كونها مفضية إلى الاهتداء، وقد تقدم هذا البحث في تفسير قوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] في سورة البقرة. اهـ.
وقال الفخر:
في تخصيص هذا البيان والهدى والموعظة للمتقين وجهان:
أحدهما: أنهم هم المنتفعون به، فكانت هذه الأشياء في حق غير المتقين كالمعدومة ونظيره قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} [النازعات: 45] {إِنَّمَا تُنذِرُ مَّعَ مَنِ اتبع الذكر} [يس: 11] {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] وقد تقدم تقريره في تفسير قوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ}.
الثاني: أن قوله: {هذا بَيَانٌ لّلنَّاسِ} كلام عام ثم قوله: {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ} للمتقين مخصوص بالمتقين، لأن الهدى اسم للدلالة بشرط كونها موصلة إلى البغية، ولا شك أن هذا المعنى لا يحصل إلا في حق المتقين، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الإشارة إمَّا إلى ما تقدّم بتأويل المذكور، وإمَّا إلى حاضر في الذهن عند تلاوة الآية وهو القُرآن.
والبيانُ: الأيضاح وكشف الحقائق الواقعة.
والهدى: الإرشاد إلى ما فيه خير النَّاس في الحال والاستقبال.
والموعظة: التحذير والتخويف.
فإن جعلت الإشارة إلى مضمون قوله: {قد خلت من قبلكم سنن} [آل عمران: 137] الآية فإنَّها بيان لما غفلوا عنه من عدم التَّلازم بين النَّصر وحسن العاقبة، ولا بين الهزيمة وسوء العاقبة، وهي هدى لهم لينتزعوا المسببات من أسبابها، فإن سبب النجاح حقًا هو الصلاح والاستقامة، وهي موعظة لهم ليحذروا الفساد ولا يغترّوا كما اغترّت عاد إذ قالوا: {مَنْ أشَدّ مِنَّا قوّة}. اهـ.

.قال الطبري:

اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه بـ {هذا}.
فقال بعضهم: عنى بقوله: {هذا}، القرآن.
وقال آخرون: إنما أشير بقوله: {هذا}، إلى قوله: {قد خلت من قبلكم سُنن فسيروا في الأرض فانظرُوا كيف كان عاقبه المكذبين}، ثم قال: هذا الذي عرَّفتكم، يا معشر أصحاب محمد، بيان للناس.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: قوله: {هذا}، إشارةٌ إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله جل ثناؤه المؤمنين، وتعريفهم حدوده، وحضِّهم على لزوم طاعته والصبر على جهاد أعدائه وأعدائهم. لأن قوله: {هذا}، إشارة إلى حاضر: إما مرئيّ وإما مسموع، وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة.
فمعنى الكلام: هذا الذي أوضحتُ لكم وعرفتكموه، بيانٌ للناس يعني بالبيان، الشرح والتفسير. اهـ. بتصرف يسير.

.قال ابن عطية:

كونه بيانًا للناس ظاهر، وهو في ذاته أيضا هدى منصوب وموعظة، لكن من عمي بالكفر وضل وقسا قلبه لا يحسن أن يضاف إليه القرآن، وتحسن إضافته إلى {المتقين} الذين فيهم نفع وإياهم هدى، وقال ابن إسحاق والطبري وجماعة: الإشارة بـ {هذا} إلى قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن} الآية، قال ابن إسحاق: المعنى هذا تفسير للناس إن قبلوه، قال الشعبي: المعنى، هذا بيان للناس من العمى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مِن قَبْلِكُمْ} يجوز أن يتعلق بـ {خَلَتْ}، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من {سُنَنٌ}؛ لأنه- في الأصل- يجوز أن يكون وَصْفًا، فلما قُدِّمَ نُصبَ حالًا.
والسُّنَن: جمع سُنَّة، وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها، ومنه سُنَّة الأنبياء.
قال خالد الهُذَلِي لخاله أبي ذُؤيب: [الطويل]
فَلاَ تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ أنْتَ سِرْتَهَا ** فَأوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا

وقال آخر: [الطويل]
وَإنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ** تَأسَّوْا، فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا

وقال لبيد: [الكامل]
مِنْ أمَّةٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ ** وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإمامُهَا